سبتمبر 16, 2024

سبق الإخباري – لماذا لا يوجد فساد في الأردن؟!.. سؤال يبدو ساذجاً للوهلة الأولى.. لكنه يحمل في طياته تهكماً عميقاً.. فكيف يمكن أن يكون الفساد غائباً عن وطننا العزيز؟!.. هل نحن أمة معصومة من الفساد؟!.. أم أن الفساد لدينا متقن لدرجة أنه يمر دون أن يُلاحظ؟!..

حين نتحدث عن الفساد.. غالباً ما نتخيل مشاهد واضحة من التزوير أو السرقة.. لكن في الأردن.. الفساد يرتدي بدلة رسمية.. ويظهر في صورة قرارات إدارية.. أو مشاريع تبررها النصوص القانونية..

فترى عقود شراء خدمات تُبرم وكأنها مكرمة أو ضرورة وطنية.. لكن في الواقع.. هذه العقود لا تخدم سوى من وقعها ومن استفاد منها.. ثم نجد عقود التلزيم تُمنح.. وكأنها نصيب مفروض على البعض دون منافسة.. ويمررون صفقات خاصة بأسماء معروفة بمصطلحات براقة مثل “مشاريع الشراكة” أو “الاستثمار الاستراتيجي”.. بينما هي في الواقع أشكال من الفساد المقنن.. ولكن السؤال يبقى.. أليس هذا هو أرقى أنواع الفساد؟!.. الفساد الذي لا يحتاج إلى إخفاء نفسه.. بل يمشي بيننا بكل ثقة.. لأنه محصن بالقانون ذاته..

لكن دعونا نكون واقعيين.. كيف نتحدث عن فساد في بلد يتفاخر بنظامه القانوني.. والذي يكفل الشفافية.. ويحارب المحسوبية؟!..
الإجابة بسيطة.. الفساد هنا ليس على السطح.. بل هو جزء من النسيج الاجتماعي والإداري.. يختبئ خلف مصطلحات معقدة.. وقرارات مصدّقة بأختام رسمية.. والمفارقة تكمن في أن هذا الفساد لا يُعتبر فساداً بالنسبة للكثيرين.. بل يُنظر إليه كجزء من اللعبة التي يجب أن تُمارس لتسيير الأمور..

الأمر الأكثر إثارة للسخرية.. هو أننا.. نحن المواطنين.. نشتكي من الفساد.. ونطالب بمحاربته على صفحات التواصل الاجتماعي.. والمواقع الإخبارية.. ولكن في ذات الوقت.. نجد بداخل كل منا -على رأي صديقي الاعلامي جهاد ابو بيدر- “فاسد صغير” يتحين الفرصة ليكبر.. فكم من مرة استعنا بواسطة لتسريع معاملة.. أو تجاوزنا الطابور بفضل معرفة شخصية؟!.. كم مرة رأينا من يتعدى على الأملاك العامة.. أو يستغل الطرقات والارصفة وكأنها ملك خاص؟!.. كل هذا ونحن نصرخ بمكافحة الفساد.. ونطالب بالعدالة.. أليست هذه تناقضات صارخة؟!..

المجتمع الأردني.. كما في كثير من الدول.. يتأقلم مع الفساد كأنه جزء من يومياته.. نراه يتعامل معه بسلاسة.. يعترف به ضمنياً.. لكن دون مواجهة.. لماذا؟!.. لأن الفساد هنا ليس مشكلة بحد ذاته.. بل جزء من النظام الذي نتعامل به.. والذي يعقد الأمور.. ليُبقي على هذا الفساد متخفياً.. إذاً.. لماذا لا يوجد فساد في الأردن؟!.. لأن الفساد لدينا بات أذكى من أن يُكتشف.. ولأنه محمي بمنظومة متكاملة من القوانين والأنظمة.. والتي تُقونِن أفعاله.. وتُغلِفها بالشرعية..

وفي نهاية البحث عن الفساد غير الموجود.. وعندما نُسأل عنه في الأردن.. لا يسعنا سوى أن نتساءل أيضاً.. هل نحن من نغذي هذا الفساد بسكوتنا؟!.. أم أننا ببساطة نعيش في حالة إنكار جماعي؟!..
ويبقى السؤال الأكبر والأكثر تهكماُ.. هل يمكننا فعلاُ الكشف والحديث عن الفساد.. والذي يُعتبر جزءاً لا يستهان به من حياتنا اليومية؟!..

محمود الدباس – ابو الليث..

About The Author

شارك الخبر