سبتمبر 16, 2024

سبق الإخباري – في ظل التوترات المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط.. تبرز النوايا الواضحة للكيان الإسرائيلي تجاه تحقيق أهدافه في إفراغ فلسطين من سكانها العرب.. مسلمين ومسيحيين على حد سواء.. إن المشروع الإسرائيلي الذي يركز على يهودية الدولة.. يشكل محوراً رئيسياً في سياسات الكيان.. ويعتبر قطاع غزة نقطة البداية لتحقيق هذه الأهداف.. هنا.. يسعى جيش الكيان الإسرائيلي إلى تعزيز سيطرته على المنطقة.. إلغاء تأثير المقاومة.. وتهجير من تبقى من سكانها.. تمهيداً لانتقال العمليات إلى الضفة الغربية.. في هذا السياق.. يستغل الكيان الإسرائيلي أي ذريعة -من مقاومة إلى وجود أسلحة- لفرض السيطرة.. بهدف تدمير البنية التحتية.. وتهجير الفلسطينيين إلى الأردن.. ومن ثم من المرجح انهم سينتقلون الى مناطق 48.. بعد ان يظهروا للعالم.. ان عرب 48 اصلهم “بيردهم”.. وانهم يقفون مع ابناء جلدتهم.. وذلك من خلال اعطائهم مساحة للتعبير عن تضامنهم مع ما سيجري في الضفة..

جيش الكيان.. الذي كان ينفذ عمليات متقطعة في الضفة الغربية.. أظهر مؤخراً تصعيداً ملحوظاً في هجماته.. مسبباً دماراً واسعاً في مناطق مثل جنين وطولكرم.. ومزهقاً أرواحاً بأعدادٍ أكبر في صفوف المدنيين.. وقد جاءت تصريحات وزير خارجية الكيان الإسرائيلي مطالباً الفلسطينيين.. حاملي الجنسية الأردنية.. أي “البطاقة الصفراء”.. بمغادرة الضفة الغربية.. والانتقال إلى الأردن.. حيث يشكل هؤلاء من حملة البطاقة الصفراء.. الذين تشير التقديرات إلى أن عددهم يزيد عن 600 ألف شخص.. تحدياً كبيراً للأردن.. فهؤلاء الأشخاص ليسوا مجرد لاجئين.. بل هم مواطنون أردنيون.. يحملون حقوقاً كاملة في الدخول إلى أراضي المملكة..

تطرح هذه الخطوة تساؤلات معقدة حول كيفية تعامل الأردن مع هذا الوضع.. في حال قرر الأردن استيعاب هؤلاء المواطنين.. فإنه سيواجه اتهامات بأنه يتعاون مع الأهداف الإسرائيلية في التهجير.. وإفراغ الأرض من أهلها.. مما قد يعرضه لانتقادات شديدة على الصعيدين الداخلي والخارجي.. من جهة أخرى.. إذا اختار الأردن عدم استقبالهم.. فإن ذلك قد يؤدي إلى أزمة إنسانية على نطاق واسع.. حيث سيُتهم بتفاقم معاناة الأهل في الضفة.. وعدم الوفاء بالتزاماته الإنسانية.. وأيضا عدم حماية أبنائه..

الأمر لا يقتصر على التهجير الحالي للمواطنين الأردنيين.. بل يمتد إلى المرحلة التالية.. حيث سيمارس الكيان الإسرائيلي ضغوطاً كبيرة على الفلسطينيين الذين لا يحملون الجنسية الأردنية.. في هذه المرحلة.. سيتم تشجيع هؤلاء الفلسطينيين على الهجرة.. مما سيحولهم إلى لاجئين بوضوح.. ويضيف بُعداً جديداً للأزمة الإنسانية.. هذه الاستراتيجية تهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية بشكل تدريجي.. من خلال إبقاء الفلسطينيين تحت الضغط حتى يضطروا لمغادرة أراضيهم..

هذا النهج ليس بجديد.. فالكيان الإسرائيلي على مر السنين قام بتهجير أعداد كبيرة منذ عام 1948.. حين ارتُكِبت المجازر وأجبِر الفلسطينيون على مغادرة بيوتهم.. وخلال حرب 1967.. أكمل الكيان مخططاته بتهجير سكان الضفة والقدس.. وبعد الانتفاضة الأولى عام 1987.. تصاعدت الإجراءات العقابية بشكل ملحوظ.. وصولاً إلى الانتفاضة الثانية عام 2000.. التي شهدت مزيداً من المذابح والاعتقالات.. كل هذه الأحداث تشكل جزءاً من استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى إفراغ فلسطين.. وتكريس واقع يهودية الدولة..

من هذا المنطلق.. يتعين على الأردن أن يتخذ خطوات مدروسة وفعالة لمواجهة هذه التحديات.. فمن الضروري أن تعزز الحكومة الأردنية من استراتيجياتها الدبلوماسية.. وتزيد من مستوى لغة خطابها.. حتى يتم أخذها على محمل الجد.. وتنسق مع الأطراف الدولية لضمان عدم تحميل الأردن العبء الكامل لهذه الأزمة.. كما أن تشكيل تحالفات قوية قادرة على مواجهة الضغوطات المرتبطة بالملف الفلسطيني.. يعتبر أمراً ضرورياً وملحاً.. بالإضافة إلى ضرورة استمرار الأردن في دعم صمود الفلسطينيين في أراضيهم.. وإظهار موقف حازم تجاه أي محاولات لفرض واقع التهجير..

علاوة على ذلك.. يجب أن يضع الأردن في اعتباره التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية المحتملة لاستيعاب أعداد كبيرة من الفلسطينيين المهجرين.. فقد يؤدي هذا إلى ضغوط على سوق العمل.. والموارد.. والبنية التحتية.. كما قد تنشأ توترات اجتماعية بين المواطنين الأردنيين والقادمين الجدد.. ومن الضروري أن يتم تحضير استراتيجيات للتعامل مع هذه التأثيرات.. بالإضافة إلى ضمان استقرار الاقتصاد الأردني.. وعدم تضرره بشكل كبير جراء هذه الضغوطات..

بالتوازي مع ذلك.. يمكن للأردن أن يستفيد من القانون الدولي.. والمنظمات الدولية.. لرفع قضيته ضد الضغط الإسرائيلي المعلن.. واستناداً إلى اتفاقيات جنيف التي تمنع التهجير القسري.. كما أن تحليل المخاطر الاقتصادية والاجتماعية على المملكة.. وذلك من خلال إعداد بيانات وأرقام دقيقة حول أعداد الفلسطينيين المهجرين سيزيد من قوة الموقف الأردني..

بهذه الطريقة.. يمكن للأردن أن يحمي نفسه من الوقوع في فخ المعادلة المعقدة.. بين استيعاب اللاجئين الفلسطينيين وبين الحفاظ على استقراره الداخلي.. في ظل هذه التحديات.. يبقى الدور الأردني حاسماً في تحديد مستقبل القضية الفلسطينية.. والتأثير في المشهد الإقليمي والدولي.

محمود الدباس – أبو الليث

About The Author

شارك الخبر