سبق الإخباري – محمود الدباس يكتب:
“الملك بلا ملابس” للكاتب الدنماركي “هانس كريستيان أندرسن”.. يحكي أندرسن عن ملك مغرور ومخدوع.. أحب الأزياء الفاخرة بشكل مفرط.. وأراد دوماً أن يبرز بين الناس بملابسه الجديدة.. وفي يوم من الأيام.. جاءه خياطان محتالان.. وأخبراه أنهما سيخيطان له أروع ملابس.. ولا يراها إلا الأذكياء والحكماء.. بينما في الحقيقة لم يكن هناك أي ملابس على الإطلاق..
اقتنع الملك وسار عارياً بين الناس.. معتقداً أنه يرتدي أبهى الأزياء.. ولكن أحد الأطفال بصراحته وبراءته قال الحقيقة.. “الملك عارٍ”..
فكانت هذه القصة بمثابة درس لكل من يعيش في وهم التفرد والأهمية الزائفة..
هذه القصة تلخص حال الكثيرين في مجتمعاتنا.. والذين يعيشون بوهم أنهم محور الكون.. وأساس أي مكان يتواجدون فيه..
نجدهم في العمل.. حيث يعتقد أحدهم أنه إذا ترك مكانه أو أخذ إجازة.. فإن عجلة العمل ستتوقف.. وأن زملاءه سيعيشون في حالة من التخبط والارتباك.. يرون أنفسهم العمود الفقري الذي لا يمكن أن يُستَغنى عنه.. في حين أن العمل يستمر والدنيا لا تتوقف عند غياب أي شخص..
وهذا الشعور بالذات المتضخمة يمتد إلى نطاق الأصدقاء والجماعات الاجتماعية.. فترى أحدهم يظن أنه إذا غادر مجموعة الأصدقاء.. فإن تلك المجموعة ستتفكك وتفقد تماسكها.. يعتقد أنه الصديق الذي لا يمكن تعويضه.. وأن حضوره هو السر وراء بقاء المجموعة متماسكة.. مثل هؤلاء الناس يعانون من نرجسية مفرطة تجعلهم يبالغون في تقدير قيمتهم الذاتية.. ويعتقدون أنه لا يمكن الاستغناء عنهم..
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد.. بل يمتد إلى تصوراتهم عن الشهرة والمعرفة.. فتجد بعضهم يظن أنه مشهور ومعروف بشكل واسع.. وأنه إذا دخل أي مكان.. فإن الجميع سيعرفه ويراقبه.. يعتقدون أن كل حركة.. وكل تصرف منهم.. سيكون محط أنظار الجميع.. متوهمين أنهم في دائرة الضوء دوماً.. وذلك ربما لأنهم معروفون ضمن نطاق عملهم.. أو بين أهليهم ومنطقتهم..
والأمر يتفاقم في عالم التكنولوجيا.. إلى حد أن من يغادر مجموعة على وسائل التواصل الاجتماعي.. يتوقع أن تلك المجموعة ستنهار بعده وأن الجميع سيغادرها أيضاً..
علماء النفس.. وعلماء الاجتماع.. يرون أن هذا النوع من التفكير ينم عن نرجسية مبالغ فيها..
حيث يرى “سيغموند فرويد”.. أن النرجسية هي حب الذات بشكل مبالغ فيه.. حيث يعتقد الشخص النرجسي بأنه الأفضل والأهم في كل شيء.. ويضيف “إريك فروم” أن النرجسية تجعل الفرد يبالغ في تقدير قيمته الذاتية.. ويشعر بأنه محور اهتمام الجميع.. مما يجعله يعتقد بأنه لا يمكن استبداله أو الاستغناء عنه..
إن الاعتقاد بأن المرء هو محور الكون.. ليس سوى وهم.. يخفي وراءه قلقاً عميقاً.. وشعوراً بالنقص.. وعلى الجميع أن يتذكر أن التواضع والوعي بالذات.. هما مفتاح التفاعل الصحي مع العالم من حولنا..
فالعالم لا يتوقف عند شخص بعينه.. والعمل يستمر.. والمجموعات الاجتماعية تبقى متماسكة.. والحياة تمضي بكل تفاصيلها.. دون أن تتأثر بغرور شخص.. أو توهمه بأنه لا يمكن الاستغناء عنه..
محمود الدباس – ابو الليث