سبق الإخباري – كتب محمود الدباس :
في زمننا الذي نعيش.. نجد أنفسنا محاطين بالأصوات والآراء التي تتدفق بشكل مستمر عبر الفضاء الإلكتروني.. وبينما يبدو هذا العالم الافتراضي وكأنه منصة واسعة للتعبير عن الذات والتواصل مع الآخرين.. هناك من يختارون الصمت بعدم المشاركة.. فهل هي وسيلة لحماية أنفسهم من الضغوطات والمواجهات غير المرغوبة.. ام لعدم امتلاكهم المعلومة او الحُجة؟!..
تخيّل نفسك أن تكون مراقباً هادئاً في مسرح الحياة الرقمية.. تقرأ وتشاهد كل ما يحدث دون أن تتدخل!.. في كثير من الاحيان.. تجد هؤلاء الصامتون الرقميون يختارون الابتعاد عن النقاشات الحامية والمشاركات النشطة.. ليس لأنهم لا يمتلكون ما يقولونه.. بل ربما خوفاً من الانتقاد أو الجدل الذي قد يتبع أي تعليق أو رأي.. وهذا الخوف قد ينبع من الشعور بعدم الثقة بالنفس.. أو القلق من عدم القدرة على مواكبة مستوى النقاش.. أو حتى الشعور بعدم الأهمية في هذا العالم المزدَحَم..
لكن الصمت الرقمي ليس بلا ثمن.. فبينما يحمي هؤلاء الأشخاص أنفسهم من الضغوط النفسية.. فإنهم يفقدون فرصاً ثمينة للتعلم وتطوير ذاتهم المستمر.. فعدم المشاركة يعني تفويت الفرصة لتبادل الأفكار والمعلومات.. وبناء العلاقات والصداقات الجديدة.. هذا الصمت قد يعزز العزلة الاجتماعية.. ويزيد من الشعور بالإحباط والكبت..
ورغم ذلك.. لا يمكننا تجاهل بعض الإيجابيات التي تأتي مع الصمت الرقمي.. فهؤلاء الصامتون هم جمهور هادئ يستهلك المحتوى دون أن يُحدث ضجيجاً.. مما يزيد من نسب المشاهدة والقراءة ويعزز من انتشار المحتوى.. لذلك هم يمثلون فئة هامة من المجتمع الرقمي.. تتلقى وتستوعب دون الحاجة إلى التفاعل الصاخب..
في نهاية المطاف.. يبقى الصمت الرقمي خياراً شخصياً يعتمد على طبيعة الفرد واحتياجاته.. مالم يكن متواجدا ضمن بيئات رقمية اساسها المشاركة الفاعلة.. والتفاعل بكلا الاتجاهين..
فبينما يعاني البعض من سلبياته.. يجد آخرون فيه ملاذاً آمناً يحميهم من صخب الفضاء الإلكتروني..
والذي اجده ملحاً.. هو أن نعمل جميعاً على خلق بيئات تواصلية متفهمة وداعمة.. تشجع الجميع على التعبير عن أنفسهم بحرية وأمان.. فلربما.. بإيجاد هذه البيئات.. نتمكن من تحفيز الصامتين على كسر حاجز الصمت.. والمشاركة بأفكارهم وآرائهم القيمة.. وألا يصمتوا صمت القبور..
ودوما اردد واقول.. الكلمة مرآة عقل قائلها.. والخاطرة تعكس نضج كاتبها.. وخطاب النقد قاموس فكر كاتبه..