سبتمبر 16, 2024

سبق الإخباري – أخذ أبو الطيب الطبري حذاءه إلى إسكافي ليصلحه.. وكان ذلك الإسكافي معروفاً بكثرة أشغاله.. وكثرة أعذاره.. وفي كل مرة يقترب فيها أبو الطيب من دكانه.. كان الإسكافي يهرع إلى الحذاء.. ويضعه في الماء.. موهماً أنه سيشرع في إصلاحه على الفور.. وكان أبو الطيب.. برغم تكرار المشهد.. يصدق أن الإسكافي سيصلح الحذاء قريباً.. لكن الأيام توالت.. والحذاء مازال يخوض في الماء.. حتى قال أبو الطيب للإسكافي.. “يا هذا.. إنما أعطيتك الحذاء لتصلحه.. لا لتعلمه السباحة”..

هذه الحكاية تحمل في طياتها دلالات عميقة عن واقعنا الحالي.. فكم من مرة وجدنا أنفسنا في موقف مشابه.. حيث نُوعَد ونُخدَع بالأعذار الواهية؟!.. كم من مرة نتوقع الصدق.. ونُفاجأ بالمماطلة؟!.. هل يعجز الحرفي أو المسؤول أو أي شخص عن قول الحقيقة ببساطة؟!.. “أنا مشغول.. إن كنت مستعجلاً.. فعليك بغيري.. أو انتظرني حتى يوم كذا”.. هذه العبارات البسيطة.. والتي ربما تجنب الكثير من الإحراج.. وتُبقي على الثقة قائمة بين الناس.. أصبحت عملة نادرة في زماننا..

حين نتأمل في حياتنا اليومية.. نجد أن الإخلال بالوعد.. بات من الأمور المألوفة.. والتي نواجهها في مختلف جوانبها.. تلك المراوغات.. وذلك الافتقار إلى الصدق.. لم تعد مجرد استثناءات.. بل أصبحت ظاهرة تتكرر بشكل مزعج ومؤلم.. والمثير للسخرية.. أن هذا السلوك يمتد ليشمل كل المهن والمناحي والطبقات الاجتماعية.. حتى بات من الصعب الوثوق بأي التزام أو موعد..

فحتى في الاجتماعات الرسمية.. نجد أن البعض يتعمد تأجيل المواعيد دون توضيح أو تفسير.. هل سيضر المسؤول أن يُعلن بوضوح أنه لن يستطيع عقد اجتماع في فترة معينة.. وأنه سيكون متاحاً بعد أسبوع أو أسبوعين؟!.. على العكس.. الصدق في مثل هذه المواقف.. يعزز الثقة ويجعل التعامل أكثر سلاسة واحترافية..

الإخلال بالوعد ليس مجرد تصرف عابر.. إنه عَرض لمشكلة أعمق.. تتجلى في انعدام الشفافية والصدق في تعاملاتنا اليومية.. وربما كانت بداية الإصلاح.. تكمن في أن نتعلم كيف نكون صادقين.. حتى وإن كان الصدق سيعني فقدان بعض الفرص.. أو تأخير بعض الأمور.. لأن الثقة هي أساس العلاقات.. وحين تُفقد.. يصعب جداً استعادتها..

محمود الدباس – ابو الليث..

About The Author

شارك الخبر