نوفمبر 22, 2024
Friday_prayers

سبق الإخباري –

.. بسم الله الرحمن الرحيم
عنوان خطبة الجمعة الموحد
( لا إله إلا الله): فضلها وأسرارها وثمرتها
(ملزم)
معززا بالشواهد من الكتاب والسنة بالإضافة إلى المادة العلمية المساندة والمساعدة
16ذو القعدة1445هـ الموافق 24/5/2024م
عناصر الخطبة ( مُلزم)

  (لا إله إلاّ الله):  كلمة التوحيد، بها يثبت الإيمان، وبها يحصل للإنسان الأمان، كلمة لا يقبل الله الإيمان إلا بالإقرار بها، ولا يدخل الإنسان الإسلام إلا بالنطق بها، وبها تحصل معرفة الله تعالى. يقول سبحانه وتعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ﴾ محمد: 19. ومعناها الثبات على وحدانية الله سبحانه وتعالى.

(لا إله إلاّ الله) تجمع جميع أركان الإيمان، فينطوي تحتها أركان الإيمان كلها وأركان الإسلام كلها والإحسان كله، ولذلك كانت مع شهادة (أنَّ محمداً رسول الله) هي العلامة الفارقة لدخول الإسلام. ولعظم مكانة (لا إله إلاّ الله) في الإيمان بدأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعداد شعب الإيمان. يقول صلى الله عليه وسلم: ( الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون  شعبة فأفضلها قول لا إله إلاّ الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان)  رواه مسلم.

من عظيم فضل هذه الكلمة ( لا إله إلا الله) أن قائلها يسعد بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قيل: يا رسول منْ أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة منْ قال لا إله إلاّ الله خالصاً من قلبه أو نفسه) رواه البخاري.

من بديع أسرار هذه الكلمة الجامعة أن جميع كلماتها متماسكة لا تحذف منها كلمة، وأي حذف من ألفاظها يغير معناها، فهي بمقام الكلمة الواحدة في قوة تماسك أحرفها وفي بيان معانيها. فيجب على المسلم أن يجعل لسانه رطباً بذكر الله تعالى، والحرص على الإكثار من )لا إله إلا الله( في كل حركاته وسكناته.

لا يخفى أن في هذه الكلمة العظيمة (لا اله الا الله)، تفريجاً عمّا يصيب المسلم من كروب، وأن فيها كشفاً عما يصيبه من هموم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضيق صدره من كفر الكفار والمنافقين، فنزلت هذه الآية: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ﴾ محمد: 19. أي: فاعلم أنه لا كاشف يكشف ما بك من ضر إلا الله، ولا متصرف التصرف المطلق إلا الله، ولا قوي القوة المطلقة إلا الله فلا تعلق قلبك بأحد سواه وتوجه إليه بـ (لا إله إلا الله).

اللهم إنا نتوجه اليك في أهل غزة والضفة وأهل فلسطين أن تنصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين. وارحم شهداءهم وتقبلهم في الصالحين. وخصَّ برحمتك أولئك الذين قضوا تحت الأنقاض ولم يتمكن أحد من الوصول اليهم أو الصلاة عليهم أو العثور عليهم من حجم الدمار وتطاير الأشلاء. اللهمَّ وأنزل عليهم السكينة والطمأنينة ، ونؤكد على قيامنا بواجب أداء صلاة الغائب على شهدائنا في غزة و الضفة . بعد الصلاة والاذكار والسنة البعدية للجمعة. سائلين المولى عز وجل أن يتقبلهم في الشهداء ويتغمدهم بالرحمة والمغفرة.

اعلموا أن من دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام:﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”.

في المصائب والكرب والشدة أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بدعاء الكرب وهو: ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم) رَوَاه الْبُخَارِيّ . فندعو به في شدائدنا وشدائد أهل غزة وفلسطين، واعلموا أن هذا الدعاء يناجي الله تعالى في اسمه العظيم تذللاً لعظمة الله، والحليم رجاءً لحِلم الله، وربّ السموات والأرض ربّ العرش العظيم يقيناً بأن الأمر كله بيد الله، وأكثروا عند تكالب الأعداء علينا من قول ( حسبنا الله ونعم الوكيل)،  لأنّ الله تعالى يقول:﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾آل عمران:173،174.

اعلموا عباد الله أن الله قد أمركم بأمر عظيم بدأ به بنفسه وثنى بملائكة قدسه، فيقول الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ سورة الاحزاب: الآية 56. عن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، يقول الله تعالى:﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ﴾ سورة الأحزاب: الآية43، وهذا يتطلب التخلق بأخلاقه صلى الله عليه وسلم. والاقتداء بسنته في البأساء والضراء وحين البأس.

فهرس الآيات/ ملزم
الآية
السورة ورقم الآية
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ﴾
محمد: 19.
﴿ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَىْءٍۢ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ وَكِيلٌ﴾
الزمر: 62.
﴿وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلۡمُنتَهَىٰ وَأَنَّهُۥ هُوَ أَضۡحَكَ وَأَبۡكَىٰ  وَأَنَّهُۥ هُوَ أَمَاتَ وَأَحۡیَا ﴾ 
النجم 42-44
﴿أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَىِٕنُّ ٱلۡقُلُوبُ﴾
الرعد 28
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ 
الأحزاب: 41-43.
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ 
سورة الاحزاب: 56
نص الحديث
تخريجه
( الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون  شعبة فأفضلها قول لا إله إلاّ الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان)  
رواه مسلم.
( إنَّ الله حرَّم على النار منْ قال لا إله إلاّ الله يبتغي بذلك وجه الله) 
رواه البخاري.
(أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة منْ قال لا إله إلاّ الله خالصاً من قلبه أو نفسه)
رواه البخاري.
( أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاّ الله، والله أكبر، لا يضرُّك بأيهنَّ  بدأت)
رواه مسلم.
(الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)
رواه مسلم.
( من كانَ آخرُ كلامِهِ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخلَ الجنَّةَ)
أخرجه ابو داود.
ومن ذلك ما قاله سيدنا ابراهيم عليه السلام: (حِينَ أُلْقِيَ في النَّارِ: حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ، وقالَهَا مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حِينَ قالوا: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ آل عمران:173. 
رواه البخاري
وورد أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” كَانَ يَدْعُو عِنْدَ الْكَرْبِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ” . 
رواه البخاري
ملخص الخطبة (مُلزم)

(لا إله إلاّ الله):  كلمة التوحيد، بها يثبت الإيمان، وبها يحصل للإنسان الأمان، كلمة لا يقبل الله الإيمان إلا بالإقرار بها، ولا يدخل الإنسان الإسلام إلا بالنطق بها، وبها تحصل معرفة الله تعالى. يقول سبحانه وتعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ﴾ محمد: 19. أي داوم عليها وكرر ذكرها، واثبت على معناها واعمل بها وازدد بها علماً، ومعناها الثبات على وحدانية الله سبحانه وتعالى، فلا معبود بحق إلا الله عز وجل، المستحق لجميع المحامد فهو واحدٌ في ذاته، واحدٌ في صفاته، واحدٌ في أفعاله، فلا تشبه ذاته الذوات، ولا تشبه صفاته الصفات، ولا أفعاله الأفعال.

(لا إله إلاّ الله) تجمع جميع أركان الإيمان، فينطوي تحتها أركان الإيمان كلها وأركان الإسلام كلها والإحسان كله، ولذلك كانت مع شهادة (أنَّ محمداً رسول الله) هي العلامة الفارقة لدخول الإسلام. ولعظم مكانة (لا إله إلاّ الله) في الإيمان بدأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعداد شعب الإيمان. يقول صلى الله عليه وسلم: ( الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون  شعبة فأفضلها قول لا إله إلاّ الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان)  رواه مسلم.

ومن عظيم فضل هذه الكلمة أن قائلها يسعد بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قيل: يا رسول منْ أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة منْ قال لا إله إلاّ الله خالصاً من قلبه أو نفسه) رواه البخاري. وعن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاّ الله، والله أكبر، لا يضرُّك بأيهنَّ  بدأت) رواه مسلم.

ومن بديع أسرار هذه الكلمة الجامعة أن جميع كلماتها متماسكة لا تحذف منها كلمة، وأي حذف من ألفاظها يغير معناها، فهي بمقام الكلمة الواحدة في قوة تماسك أحرفها وفي بيان معانيها. فيجب على المسلم أن يجعل لسانه رطباً بذكر الله تعالى، والحرص على الإكثار من )لا إله إلا الله( في كل حركاته وسكناته ، وفي كل حال من أحواله، فهي التي تعكس على المسلم ايماناً جازماً بأن له رباً إلهاً خالقاً مطلعاً على ظاهره وباطنه، فتعصمه هذه الكلمة من اتباع الأهواء والشهوات، وتجعل نفسه مطمئنة بذكر الله. يقول الله تعالى: ﴿أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَىِٕنُّ ٱلۡقُلُوبُ﴾ الرعد 28. فلا يخشى العبدُ إلا الله تعالى، ولا يذلُّ إلا لله تعالى، ولا يطلبُ إلا من الله تعالى، ولا يرى في الوجود فاعلاً ومؤثراً إلا الله تبارك وتعالى، وبذلك يصل إلى مرتبة الإحسان.

ولا يخفى أن في هذه الكلمة العظيمة (لا اله الا الله)، تفريجاً عمّا يصيب المسلم من كروب، وأن فيها كشفاً عما يصيبه من هموم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضيق صدره من كفر الكفار والمنافقين، فنزلت هذه الآية: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ﴾ محمد: 19. أي: فاعلم أنه لا كاشف يكشف ما بك من ضر إلا الله، ولا متصرف التصرف المطلق إلا الله، ولا قوي القوة المطلقة إلا الله فلا تعلق قلبك بأحد سواه وتوجه إليه بـ (لا إله إلا الله).

اللهم إنا نتوجه اليك في أهل غزة والضفة وأهل فلسطين أن تنصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين. وارحم شهداءهم وتقبلهم في الصالحين. وخصَّ برحمتك أولئك الذين قضوا تحت الأنقاض ولم يتمكن أحد من الوصول اليهم أو الصلاة عليهم أو العثور عليهم من حجم الدمار وتطاير الأشلاء. اللهم وأنزل عليهم السكينة والطمأنينة، وشافِ الجرحى والمصابين والمكلومين منهم. وخفف عنهم واربط على قلوبهم يا رب. ونؤكد على قيامنا بواجب أداء صلاة الغائب على شهدائنا في غزة و الضفة . ونذكّر أن الصلاة على الغائب من الشهداء والذين هم تحت الأنقاض بعد الصلاة والاذكار والسنة البعدية للجمعة.سائلين المولى عز وجل أن يتقبلهم في الشهداء ويتغمدهم بالرحمة والمغفرة.

أركان الخطبة (مُلزمة)
«إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ(1) نحمده ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَسْتَنْصِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ»، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحده لا شريك له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ(2) ، اللهم صلِّ على سيِّدَنا محمَّدٍ(3) وعلى آله وصحابته والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ولزوم طاعته(4): لقوله تعالى(5) {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}(6). 
وتتكرر أركان الخطبة الأولى في الخطبة الثانية، ويُضاف إليها الدعاء لعموم المسلمين في نهاية الخطبة الثانية(7): «اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وأصلح ذات بينهم، وألف بين قلوبهم، واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة، وثبتهم على ملة نبيك، وأوزعهم أن يوفوا بالعهد الذي عاهدتهم عليه، وانصرهم على عدوك وعدوهم».

(1) الركن الأول: الحمد لله والثناء عليه: ودليله ما رواه الإمام مسلم في صحيحه (867) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله».
(2) التشهد: ودليله ما رواه النسائي (3277) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: «علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الصلاة، والتشهد في الحاجة»، وما رواه أبو داود (4841) عن أبي هريرة رضي الله عنه: «كل خطبة ليس فيها تشهد، فهي كاليد الجذماء».
(3) الركن الثاني: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: ودليله أن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله تعالى افتقرت إلى ذكر نبيه لما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (31687) عن مجاهد مرسلاً في تفسير قوله تعالى (ورفعنا لك ذكرك)، أي: «لا أذكر إلاّ ذُكِرتَ»، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي» رواه أبو داود في السنن.
(4) الركن الثالث: الأمر بتقوى الله تعالى: ودليله فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وما تضمنته من الآيات الكريمة بالوصية بتقوى الله تعالى، ولأن القصد من الخطبة الموعظة والوصية بتقوى الله تعالى فلا يجوز الإخلال بها.
(5) الركن الرابع: قراءة آيات من القرآن الكريم، لما رواه أبو داود (1101) عن جابر بن سمرة: «كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصدا، وخطبته قصدا، يقرأ آيات من القرآن، ويذكر الناس».
(6) الأحزاب: 71.
(7) الركن الخامس: الدعاء للمسلمين: ودليله، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواظب الدعاء للمسلمين في كل خطبة، ولما رواه البزار في مسنده برقم (4664) عن سمرة بن جندب رضي الله عنه: أنه «كان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات كل جمعة.
(لا إله إلا الله): فضلها وأسرارها وثمرتها
                المادة العلمية المقترحة
إن الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ سورة النساء: الآية 1. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا  يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ الأحزاب: 7.
  (لا إله إلاّ الله):  كلمة التوحيد، بها يثبت الإيمان، وبها يحصل للإنسان الأمان، كلمة لا يقبل الله الإيمان إلا بالإقرار بها، ولا يدخل الإنسان الإسلام إلا بالنطق بها، وبها تحصل معرفة الله تعالى. يقول سبحانه وتعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ﴾ محمد: 19. أي داوم عليها وكرر ذكرها، واثبت على معناها واعمل بها وازدد بها علماً، ومعناها الثبات على وحدانية الله سبحانه وتعالى، فلا معبود بحق إلا الله عز وجل، المستحق لجميع المحامد فهو واحدٌ في ذاته، واحدٌ في صفاته، واحدٌ في أفعاله، فلا تشبه ذاته الذوات، ولا تشبه صفاته الصفات، ولا أفعاله الأفعال، فهو المنفرد بوجوب الوجود، المنزه عن مشابهة المخلوقات، ولا خالق إلا هو ولا فاعل على الحقيقة إلا الله. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَىْءٍۢ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ وَكِيلٌ﴾ الزمر: 62. وتحصل معرفة الله تعالى بمعرفة ما يجب له من صفات الكمال ونفي ما يستحيل عليه من صفات النقص، وما يجوز عليه من أفعال بإيجاد وإعدام، وإحياء وإماتة، وخلق وبعث. يقول الله تعالى: ﴿وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلۡمُنتَهَىٰ وَأَنَّهُۥ هُوَ أَضۡحَكَ وَأَبۡكَىٰ  وَأَنَّهُۥ هُوَ أَمَاتَ وَأَحۡیَا ﴾ النجم 42-44
(لا إله إلاّ الله) تجمع جميع أركان الإيمان، فينطوي تحتها أركان الإيمان كلها وأركان الإسلام كلها والإحسان كله، ولذلك كانت مع شهادة (أنَّ محمداً رسول الله) هي العلامة الفارقة لدخول الإسلام.
  ولعظم مكانة (لا إله إلاّ الله) في الإيمان بدأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعداد شعب الإيمان. يقول صلى الله عليه وسلم: ( الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون  شعبة فأفضلها قول لا إله إلاّ الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان)  رواه مسلم.
والأحاديث النبوية الشريفة في فضل كلمة التوحيد ( لا إله إلاّ الله) كثيرة. منها: ما رواه عتبان بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنَّ الله حرَّم على النار منْ قال لا إله إلاّ الله يبتغي بذلك وجه الله) رواه البخاري.
 ومن عظيم فضل هذه الكلمة أن قائلها يسعد بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قيل: يا رسول منْ أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة منْ قال لا إله إلاّ الله خالصاً من قلبه أو نفسه) رواه البخاري.
وعن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاّ الله، والله أكبر، لا يضرُّك بأيهنَّ  بدأت) رواه مسلم.
  ومن بديع أسرار هذه الكلمة الجامعة أن جميع كلماتها متماسكة لا تحذف منها كلمة، وأي حذف من ألفاظها يغير معناها، فهي بمقام الكلمة الواحدة في قوة تماسك أحرفها وفي بيان معانيها.
فيجب على المسلم أن يجعل لسانه رطباً بذكر الله تعالى، والحرص على الإكثار من )لا إله إلا الله( في كل حركاته وسكناته ، وفي كل حال من أحواله، فهي التي تعكس على المسلم ايمانًا جازماً بأن له رباً إلهاً خالقاً مطلعاً على ظاهره وباطنه، فتعصمه هذه الكلمة من اتباع الأهواء والشهوات، وتجعل نفسه مطمئنة بذكر الله. يقول الله تعالى: ﴿أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَىِٕنُّ ٱلۡقُلُوبُ﴾ الرعد 28. فلا يخشى العبدُ إلا الله تعالى، ولا يذلُّ إلا لله تعالى، ولا يطلبُ إلا من الله تعالى، ولا يرى في الوجود فاعلاً ومؤثراً إلا الله تبارك وتعالى، وبذلك يصل إلى مرتبة الإحسان. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) رواه مسلم.
وقد بشّر النبي صلى الله عليه وسلم من يواظب عليها بالخاتمة الحسنة، وأن من قالها موقناً بها ومُخلِصًا، نَجَا مِن النَّيران وفازَ بالجِنانِ. يقول صلى الله عليه وسلم : ( من كانَ آخرُ كلامِهِ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخلَ الجنَّةَ) أخرجه ابو داود. فاجعل لنفسك ورداً يومياً من ذكر الله تعالى صباحاً ومساءً.
  ولا يخفى أن في هذه الكلمة العظيمة (لا اله الا الله)، تفريجاً عمّا يصيب المسلم من كروب، وأن فيها كشفاً عما يصيبه من هموم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضيق صدره من كفر الكفار والمنافقين، فنزلت هذه الآية: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ﴾ محمد: 19. أي: فاعلم أنه لا كاشف يكشف ما بك من ضر إلا الله، ولا متصرف التصرف المطلق إلا الله، ولا قوي القوة المطلقة إلا الله فلا تعلق قلبك بأحد سواه وتوجه إليه بـ (لا إله إلا الله).
اللهم إنا نتوجه اليك في أهل غزة والضفة وأهل فلسطين أن تنصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين. وارحم شهداءهم وتقبلهم في الصالحين. وخصَّ برحمتك أولئك الذين قضوا تحت الأنقاض ولم يتمكن أحد من الوصول اليهم أو الصلاة عليهم أو العثور عليهم من حجم الدمار وتطاير الأشلاء. اللهم وأنزل عليهم السكينة والطمأنينة، وشافِ الجرحى والمصابين والمكلومين منهم. وخفف عنهم واربط على قلوبهم يا رب. ونؤكد على قيامنا بواجب أداء صلاة الغائب على شهدائنا في غزة و الضفة . ونذكّر أن الصلاة على الغائب من الشهداء والذين هم تحت الأنقاض بعد الصلاة والاذكار والسنة البعدية للجمعة. سائلين المولى عز وجل أن يتقبلهم في الشهداء ويتغمدهم بالرحمة والمغفرة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ سورة آل عمران:102.
واعلموا عباد الله ان الله قد أمركم بأمر عظيم بدأ به بنفسه وثنى بملائكة قدسه، فيقول الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ سورة الاحزاب: الآية 56، عن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، يقول الله تعالى:﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ ﴾ سورة الأحزاب: الآية43، وهذا يتطلب التخلق بأخلاقه صلى الله عليه وسلم ونقتدي بسنته في البأساء والضراء وحين البأس.
واعلموا أن من دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”.
وفي المصائب والكرب والشدة أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم  بدعاء الكرب وهو: ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم) رَوَاه الْبُخَارِيّ. فندعو به في شدائدنا وشدائد أهل غزة وفلسطين، واعلموا أن هذا الدعاء يناجي الله تعالى في اسمه العظيم تذللاً لعظمة الله، والحليم رجاءً لحِلم الله، وربّ السموات والأرض ربّ العرش العظيم يقيناً بأن الأمر كله بيد الله، وأكثروا عند تكالب الأعداء علينا من قول ( حسبنا الله ونعم الوكيل)،لأنّ الله تعالى يقول: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ آل عمران:173،174
سائلين الله تعالى أن يحفظ الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الحسين بن عبد الله، وأن يوفقهما لما فيه خير البلاد والعباد، إنه قريب مجيب.
والحمد لله ربّ العالمين

About The Author

شارك الخبر