نوفمبر 22, 2024
العسعس

سبق الإخباري – نجاحات تاريخية حققها الاقتصاد الأردني وبشهادات عالمية تتوالى يوما بعد آخر في وقت يصبح فيه المشهد الجيوسياسي أكثر ضبابية، أو كما يقال : الدخول أكثر في مرحلة «عدم اليقين».. منذ أيام حقق الأردن انجازات قال رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة انها انجازات يحق لنا أن نفخر بها وهي : 

– النجاح الباهر برفع التصنيف الائتماني. 

– النجاح الكبير بكبح الآثار التضخمية. 

– نجاح في مراجعات صندوق النقد الدولي.

النجاح بخفض العجز وتثبيت الدّين ورفع الانفاق الرأسمالي وتعزيز شبكة الحماية الاجتماعية دون رفع الضرائب. 

 * ولكن: كيف استطاع الاقتصاد الأردني تحقيق «أفضل «الانجازات في «أصعب»الظروف؟.

ورأينا من الضرورة اليوم أن نخوض في تفاصيل هذا الانجاز – بل الانجازات – التي تحققت بفضل «سياسة مالية»حكيمة نجحت بتجاوز أمواج متلاطمة، غرقت فيها اقتصادات دول كبيرة في الاقليم والعالم، منذ «جائحة كورونا»، مرورا بالحرب «الروسية الاوكرانية».. واليوم في مواجهة المتغيرات الجيوسياسية جراء «العدوان على غزة»، وما تلاها من تداعيات على اقتصادات الاقليم والعالم، جراء ما يجري في باب المندب والبحر الاحمر واستمرار «عدم اليقين» مع طول أمد العدوان على غزة، ومخاطر توسع رقعة الحرب. 

كيف «انتزع» الأردن في غضون الأيام القليلة الماضية شهادة من وكالة التصنيف العالمية «موديز» برفع التصنيف الى Ba3 لأول مرة منذ 21 عاما؟ كيف نجح الأردن في «المراجعة الأولى» مع صندوق النقد الدولي، بعد الاتفاق الجديد مع الصندوق للسنوات الاربع المقبلة (2024 – 2028)؟ ثم كيف نجح الأردن بتثبيت تصنيفه الائتماني من وكالة «فيتش» مؤخرا؟ .

ما هي «الرؤية الاستشرافية» للمالية الأردنية هذا العام؟ وهل نسير في الاتجاه الصحيح ضمن فرضيات موازنة 2024 رغم كل ما يحدث؟.. والى أين تسير الأمور؟ ماذا عن معدلات النمو؟ والمديونية؟ .

كل هذه الأسئلة.. وغيرها، كانت محاور الحديث الشامل الذي حاولنا فيه هذه المرّة الدخول الى تفاصيل الجهد الذي يبذله «الفريق الأردني» الممثل بوزارة المالية والتنسيق المتواصل مع فريق «السياسة النقدية» الممثل بالبنك المركزي الأردني لتحقيق هذه الانجازات.

تفاصيل الاجابات كانت في الحوار التالي مع المسؤول الأول عن السياسة المالية في الأردن.. والاقدر على كشف أسرار تلك النجاحات وتجاوز التحديات.. وزير المالية الدكتور محمد العسعس : 

رفع تصنيف «وكالة موديز»: 

* بداية نسأل: ماذا يعني رفع تصنيف «موديز للاقتصاد الأردني»؟ 

– رفع التصنيف الائتماني للأردن للمرة الاولى منذ ما يزيد على 21 عاما هو تأكيد دولي من قبل مؤسسات حيادية تنظر الى الأرقام ولا تجامل على حكمة ونجاعة سياسات الاصلاح التي أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني على كافة المستويات : الاقتصادي والاداري والسياسي، وهي رؤى اصلاحية تسير في الطريق الصحيح من أجل رفع المستوى المعيشي للمواطن والحفاظ على مقدراته ، و ما كان لكل هذه الانجازات أن تتحقق لولا المكانة الكبيرة لجلالة الملك عالميا، وما كان لكل ذلك أن يتحقق أيضا لولا الدعم الكبير من قبل جلالته لجميع من يعمل في جميع المؤسسات من أجل الوطن والمواطن، وما كان لكل ذلك أن يتحقق لولا دعم دولة رئيس الوزراء حقيقة في جميع المفاصل للاستمرار بتنفيذ توجيهات جلالة الملك لي كوزير للمالية ولزميلي محافظ البنك المركزي. هو نتيجة جهد مؤسسي تراكمي اردني لفريق المالية وفريق البنك المركزي عبر سنوات بدأت قبلنا وسيستمر بعدنا ان شاءالله. وهو نتيجة لجهود تراكمت عبر سنوات من قبل مؤسسات اردنية تعمل بصمت وجهد وليس صدفة عابرة.

وقال د. العسعس : رفع التصنيف الائتماني من قبل «موديز» يعدّ شهادة على أن هذا الاقتصاد متين لدولة تجاوزت الـ100 عام، أثبتت منعتها في ظل أعتى الظروف الاقتصادية، وأعتى الظروف الجيوسياسية اقليميا..  لم نكتف بالثبات على موقعنا بالتصنيف الائتماني، بل استطعنا تحقيق منجز تاريخي في أصعب الظروف و الأوقات، وسوف نوظف ما حققناه للحفاظ على الاستقرار المعيشي للمواطن وللطبقة الوسطى بالذات، مع توسيع شبكة الحماية المجتمعية للأسر الأمس حاجةً، لحماية مقدرات جميع المواطنين ولتعزيز سبل النمو وخلق الوظائف

الطبقة الوسطى : 

* كيف تنعكس نجاحات السياسة المالية على الطبقة الوسطى تحديدا؟ 

– ان المتأثر الرئيسي والأكبر من غياب الاستقرار المالي في أي دولة هي الطبقة الوسطى كونها تعتمد على الأجور في مواجهة أي تضخم أو تغيّر في الاستقرار المالي او النقدي – لا قدّر الله – لأن الطبقة الوسطى في كل العالم تعتمد امّا على رواتب ثابتة وامّا على دخل يومي، بعكس الطبقة الأعلى دخلا التي تملك أدوات لمواجهة مثل تلك التحديات لأن جل دخلها رأسمالي وليس أجورا.

وللمقارنة فان التضخم في الأردن حين كان تحت 2 %، بلغ في دول شقيقة واخرى صديقة أكثر من 70 %، والتضخم الأهم في أسعار الغذاء – كما سبق وأشرت في خطاب الموازنة كان في الأردن بحدود 1.7 % بينما في دول أخرى تعدت نسبته 80 %.. وهو ما انعكس سلبا على الطبقة الوسطى في تلك الدول. 

لذلك فان الطبقة الوسطى تعدّ صمّام أمان واستقرار أي بلد.. لذلك أيضا وبتوجيه من جلالة الملك فان جميع سياساتنا تركّز على ضرورة الحفاظ على مقدرات الطبقة الوسطى بالدرجة الأولى.. أنا أعلم بأن المستوى المعيشي للطبقة الوسطى ما زال دون الطموح، لكنّ في الظروف الصعبة والاوضاع غير المستقرة حولنا، وبعد مواجهة عدة صدمات متتالية في الاعوام التي مضت، كانت الاولوية هي الحماية من أي تدهور في مقدرات الطبقة الوسطى، مثل ما رأينا في بلدان اخرى، من خلال تحقيق استقرار مالي ونقدي التي جهدت هذه الطبقة لبنائها.

كيف نجح الأردن؟ 

* وكيف نجح الاردن بتحقيق هذا الاستقرار المالي والنقدي دون رفع الضرائب أو الرسوم على مدى السنوات «الصعبة» الماضية؟ 

– الحمد لله.. فرغم أننا واجهنا أزمات دمّرت اقتصادات أخرى.. بدءا من «جائحة كورونا»، وما تلاها من «ركود تضخمي» وهو أصعب حالة اقتصادية – الركود يعالج بسياسات توسعية ولكنه مصحوب بالتضخم الذي يستوجب سياسات انكماشية-،..ثم أزمة ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة عالميا بعد الحرب الروسية الاكرانية، وارتفاع أسعار الفائدة عالميا بسبب رفع «الفيدرالي الأمريكي» لأسعار الفائدة.. ثم الحرب الغاشمة على أهلنا في غزة.. وتوسع دائرة عدم الاستقرار اقليميا بسبب تبادل الضربات بين اسرائيل وايران.. الخ. 

رغم كل ذلك.. ورغم ارتفاع متطلبات خدمة الدّين بسبب ارتفاع أسعار الفائدة (وهذه قرارات فائدة دولية ليست بأيدينا)… استطعنا ليس فقط المحافظة على الاستقرار المالي للاردن، وأن نقلّص عجز الموازنة الى 2.1 % هذا العام وأن نضع الدّين على منحنى استقرار ونمنعه من الصعود.. وكل ذلك تحقّق – وأنا هنا أشهد شهادة أفخر بها شخصيا بأنّ هذه الحكومة قامت بتحقيق كل ذلك دون رفع الضرائب على المواطنين.

 الحمد لله وضعنا سياسة تؤكد أننا قادرون على تحقيق الاستقرار دون الاضرار بـ: 

1 – دون الاضرار (بالعبء الضريبي للمواطن): فقد حققنا الايرادات عن طريق محاربة التهّرب الضريبي، فلا يجب القيام برفع الضريبة على أحد وجاره متهرب ضريبيا..، وهذا جهد دولة وليس جهد وزارة مالية لوحدها، ولم يكن من الممكن تحقيق ذلك لولا جهد ودعم الجميع بدءاً من رئيس الحكومة والتنسيق مع كافة الجهات المعنية. 

2 – استطعنا تحقيق ذلك دون الاضرار(بالنمو)، لأن الطريق الأسهل هو طريق خاطىء يضر بالاقتصاد  كرفع الضريبة، أو خفض الإنفاق الراسمالي وواجب السياسة المالية ان تتبع سياسة معاكسة للدورة الاقتصادية وهذا ما قامت الحكومة به.. لأننا نعي تماما بأن النمو هو السبيل الرئيس لخلق الوظائف وهي التحدي الاساسي امامنا وواجبنا اتجاه شبابنا الباحث عن عمل، لذلك فاننا لم نخفّض الانفاق الراسمالي بل رفعناه لأرقام غير مسبوقة تاريخيا في الاردن. 

3 – قمنا بذلك دون الاضرار (بالسلم المجتمعي): لو قمنا لا سمح الله برفع الضرائب بشل غير عادل يضر بالطبقة الوسطى، لأدى ذلك لاختلالات في السلم المجتمعي.. لكن حين تحارب الحكومة التهرب الضريبي تجد دعما وتأييدا من قبل كافة فئات المجتمع.

*وأهم عنصر في هذا كله – كما يؤكد وزير المالية الدكتور محمد العسعس – أننا لم نطبق برامج تم وضعها بالخارج، بل رسمنا خططنا للاقتصاد الأردني بأيدي ومؤسسات أردنية حريصة على استقرار الوطن وسلمه المجتمعي ومقدرات طبقته الوسطى.

 البرنامج الذي نتبعه، كله برنامج أردني وضع بأيدي أردنية، برنامج نجحنا من خلاله بتخفيض الدّين دون الاضرار بالطبقة الوسطى و دون الاضرار بالنمو والإنفاق الرأسمالي ، برنامج نساعد من خلاله الطبقات الفقيرة –لا منة من الحكومة بل هو واجب اخلاقي تفخر الحكومة بحمله-، لأننا رفعنا مخصصات الانفاق للمعونة الوطنية، وعززنا شبكة الحماية الاجتماعية لأعلى مستويات تاريخية.. بمعني : وقفنا مع من يحتاج المساعدة وهي الطبقة الفقيرة، دون الاضرار بالطبقة الوسطى أو الملتزم ضريبياً أو الاضرار بالنمو، وهذه أساسيات الاستقرار الاقتصادي.

سر النجاح : 

*مرة أخرى، أسأل لمزيد من الاستزادة : كيف تحققت هذه النجاحات غير المسبوقة، وهذه الشهادات الدولية من المؤسسات الدولية العريقة كصندوق النقد الدولي ووكالات التصنيف الائتماني العالمية.. رغم ما يحدث في الاقليم؟ ما هو السر؟ 

-حقيقة – برأيي – وهذا واقع وأسمعه من وكالات التصنيف الدولية وصندوق النقد الدولي، ما يميّز الأردن هو الالتزام الحقيقي من جميع أركان الدولة في أجندة الاصلاح التي وجّه بها جلالة الملك.. يعني «لما سيّدنا ارتأى أن نسير في جميع مسارات الاصلاح سواء الاقتصادي أو الاداري، أو السياسي، فالكل ملتزم»،.. الأردن دولة تسير على طريق الاصلاح بمنهجية وخطط وضعها الأردنيون بأنفسهم لم تفرض عليهم خارجيا، وحين تحدث أزمة يكون السؤال : كيف يمكن أن نعجّل عملية الاصلاح لتثبيت دعائم الاستقرار، وهذه هي الخطوة الاولى وهي عملية الاصلاح التي أطلقها جلالة الملك دون أدنى شك. وهذا ما يشار اليه دائما في تقارير صندوق النقد الدولي و وكالات التصنيف الائتماني. فهذا الانجاز انجاز دولة وليس افراد لجهود قادها جلالة الملك عبر سنوات.

ثانيا : وزارة المالية حقيقة وزارة عريقة عمرها يزيد على 100 عام أسّست عام 1921 يعمل فريقها وموظفوها بجد ووطنية بعيدا عن الاضواء افخر بأن انتمي لهذه المؤسسة الاردنية العريقة، لها أدوات فعّلناها بدعم من جلالة الملك ومن دولة الرئيس. ومن اهم عناصر نجاحنا في توسيع القاعدة الضريبية دون اللجوء لارتفاع الضريبة على المواطنين هي نجاح مؤسسات مثل دائرة ضريبة الدخل والمبيعات والجمارك، اللذين ساهموا بضبط التهرب الضريبي والجمركي بخبرتهم الواسعة وجهودهم الكبيرة. بالإضافة إلى التنسيق والجهود الكبيرة المبذولة من مؤسسة عريقة أخرى مستقلة في الحقيقة تعمل ليل نهار بتفاني يشهد القاصي والداني بحرفيّتها.. وأعني هنا البنك المركزي بقيادة الدكتور عادل الشركس وفريقه المهني. 

نعمل معا باستقلالية ولكن وبتنسيق متواصل لما فيه مصلحة الوطن، بعيدا عن الظهور الاعلامي،.. وهذه نجاحات تنسب الى الحكومة كاملة والدعم الذي نتلقاه من جلالة الملك ومن دولة رئيس الوزراء، والجهود التي تبذلها هذه الوزارة بجميع أركانها والبنك المركزي.. وهو جهد فريق متكامل وليس جهدا شخصيا، بدأ بمؤسسية قبلنا وسيستمر ان شاءالله بعدنا. 

الامر الثالث: ان الاجندة التي تم وضعها للوصول الى هذا المكان وتحقيق هذه النجاحات، أعود وأؤكد أنها وضعت بأيد أردنية، لم تفرض علينا من الخارج وهذا أمر أساسي «لأن أهل مكّة أدرى بشعابها»، ونحن أدرى كيف نحقّق ايراداتنا دون أن نرفع العبء الضريبي على المواطن الملتزم ضريبياً. 

العلاقة مع المنظمات والجهات الدولية : 

* من الواضح أن لغة وآليات التخاطب من المنظمات الدولية سواء صندوق النقد الدولي أو وكالات التصنيف مختلفة، وهذه جهات لا تجامل أحدا، كيف تصفون طبيعة العلاقة والتحاور مع هذه الجهات؟ 

– عندما نتحدث مع المؤسسات المالية الدولية، سواء صندوق النقد الدولي أو وكالات تصنيف أو مستثمرين في سندات الأردن، فاننا نتحدث بلغة الأرقام، ولغة المحاججة، وقد وضعنا برنامجا مبنيا على استعادة الثقة، لذلك كان من المهم جدا أن نعيد بناء الثقة بخطوات.. ولهذا: لم نعد – بكسر العين – بالالتزام بما نعرف أننا لن نستطيع تنفيذه او لا نريد تنفيذه مثل اي شيء يضر باستقرار الطبقة الوسطى، فالخطوة الأولى هي أن «تلتزم بتنفيذ ما أنت قادر على تنفيذه» وتكون شفافاً بهذا، لأن الثقة من السهل فقدانها مع مؤسسات دولية إن لا سمح الله التزمنا وأخلفنا، وحتى نستطيع التنفيذ وضعنا برنامجا نحن وضعناه ولم ننتظر أن يضعه لنا أي طرف خارجي. وهذا البرنامج: يحقق ما نبغيه من استقرار مالي ونقدي، وقابل للتطبيق من حيث أنه لا يتنافى مع أسس الاستقرار المجتمعي، ولا يؤثرّ سلبا على الطبقة الوسطى، ويحمي الطبقة الفقيرة، فأساسيات البرنامج قابلة للتحقيق. 

– أضف الى ذلك فهناك حوار صريح جدا مع الجهات الخارجية، فلا نقوم بجعلهم جزءا من المشكلة بل جزءا من الحل، بمعنى عندما يحصل تحدي ندخل معهم في حوار كمستشارين للفريق الأردني لأن دورهم استشاري لنا.. نستمع لآرائهم ويستمعون لنا.. هناك احترام الى مهنية الفريق الذي يعمل في الاردن من قبل هذه المؤسسات مثلا : عندما بدأت الحرب الغاشمة على غزّة كان من السهل جدا على هذه المؤسسات أن تخفّض تصنيف الاردن كما خفّضت تصنيف دول أخرى في الجوار.. تواصلت وزارة المالية والبنك المركزي مع تلك المؤسسات وقلنا لهم بصريح العبارة : «أكيد الاوضاع الاقليمية تثير تساؤلات حول تأثير ذلك على ثبات الاستقرار المالي والنقدي، لكم أن تتساءلوا عن هذا.. ولكن سنشرح لكم بكل شفافية ما نراه من أننا قادرون على تجاوز هذه المرحلة دون التأثير على هذا الاستقرار بسبب منعة الاقتصاد الاردني». 

– نحن لم ننتظر ليطرقوا الباب ( المؤسسات الدولية ).. لم ننتظر ليبعثوا لنا أسئلة.. لم نتصعّب من مواجهة الاسئلة.. بل قمنا نحن بطرق بابهم والمواجهة بكل شفافية، أرقامنا شفافة ومعلنة، وهذه الشفافية إرث اردني تراكم بمؤسسية عبر عقود. 

– عندما يكون هناك حوار صريح..مع ثقة مبنية على سنوات من انجاز ما تعلن أنك ستقوم بإنجازه، تصبح هذه العلاقة علاقة مهنية نوظفها لهدف واحد فقط وهو خدمة الاردن.. والحفاظ على مقدرات المواطن الاردني وهذا هو الهدف الوحيد لكل ما نعمل. 

تداعيات الحرب على غزة.. وفرضيات الموازنة : 

* كيف استطعنا تجاوز تداعيات غزة في المالية العامة مع الحفاظ على أن تبقى فرضيات الموازنة ثابتة؟ كيف تعملون في وزارة المالية؟ 

– حقيقة هناك جهد كبير تقوم به وزارة المالية من خلال اجتماعات دورية مع دائرة الضريبة ومع دائرة الجمارك ودائرة الاراضي، للوقوف على مستجدات الايرادات، لأنها تعطي نبض الاقتصاد، وفي حال لمسنا أي تغيّر، نتعامل معه بأن نحلل أولا أسباب هذا التغير.. قد تكون طبيعية، و قد تكون غير طبيعية، لا ننتظر حتى تأتينا النتائج آخر السنة كي نفهم الموضوع حين يصبح تداركه صعبا.. نحن نراقب نبض الاقتصاد بشكل متواصل، ونراقب بشكل يومي وعندما نشعر أن هناك تغييرا نتخذ ما هو مناسب.. وكمثال: في احدى المرّات شعرنا أن هناك تغيرا في سلوك استهلاكي لاحدى المواد الرئيسية، وقمنا بتحليل الموضوع خلال أيام..وعرفنا ما الذي كان يحدث،واكتشفنا عمليات تهرب وتجنب ضريبي وجمركي فأوقفناها بتنسيق كبير مع كافة اجهزة الدولة فورا، وقبل أن يتطور الموضوع الى خسارة عشرات الملايين ونضطر لأن نتعامل معها بطرق قد لا تكون مثالية. 

أهم شيء أننا نتابع كل شيء ولدينا كفاءات تدير المشهد في وزارة المالية من أمين عام وكوادره..وفي ادارة الضريبة والجمارك والاراضي والموازنة والمشتريات كمدراء عامين يتابعون المشهد أولا بأول وهناك حوار مستمر للوقوف على كل ذلك. هؤلاء هم نتاج ادارة عامه اردنية عمرها تجاوز الـ 100 عام، افخر بهم واقدر عاليا تفانيهم وخبراتهم.

ثانيا : أطلع دولة الرئيس بشكل مستديم حول هذه التطورات حتى لا تكون هناك مفاجآت..وحين نلمس أي أمر نبلّغ جميع الجهات حتى تكون جزءا من الحل.. لا نترك مجالا للمفاجأة سلبا او ايجابا فنحن فريق واحد يعمل لمصلحة الوطن والمواطن بعيدا عن البطولات الشخصية. 

استشراف المستقبل : 

* من اسباب نجاح المالية العامة عدم انتظار المفاجآت.. وقراءة واستشراف ما هو قادم، لذلك أسأل ما هي توقعاتكم لنهاية العام الحالي 2024 وكيف تبنون عليها سياستكم المالية؟ 

–  عندما قدمت الحكومة خطاب الموازنة أشارت الى «عدم وضوح الرؤية» كاحدى أهم التحديات الكبيرة، و أن هناك احتمالات مختلفة للتطورات في المشهد الجيوسياسي في المنطقة. نحن نستجيب لها لأنه وكما وعدنا في خطاب الموازنة ان شاء الله لن تكون المالية الا أداة داعمة للأداء الدبلوماسي المشرف الذي يقوده جلالة الملك، لن نجعل من المالية العامة خاصرة رخوة للضغط على الاردن بأي شكل من الاشكال.. وهذا ما أثبتناه في ظل أوضاع اقليمية صعبة وفي ظل أوضاع عالمية اقتصادية صعبة، لا يحافظ الاردن على تصنيفه الائتماني فحسب، بل و نرفعه لأول مرّة منذ نحو 21 عاما.. وهذا دليل نجاح على سياستنا الاستشرافية.

 نقرأ المشهد الاقتصادي عالميا.. نقرأ المشهد الجيوسياسي اقليميا، ونضع خططا لتأمين الاقتصاد الاردني. 

من المهم أن نحافظ على الثقة ما بين الجهات الثلاث الرئيسية التي تؤثر ثقتها بأي اقتصاد إما تمكيناً او زعزعة لا سمح الله، وهي :

 صندوق النقد الدولي – ووكالات التصنيف الدولية «موديز – فيتش – واستاندرد اند بورز» – والمستثمرون الدوليين في السندات الاردنية… ونخوض مع البنك المركزي في حوار مستمر مع الثلاث جهات حتى لا نترك مكانا للقلق أو الشك أو الخوف و نزودهم وفقا للارث الاردني المؤسسي بشفافية بالمستجدات والبيانات.. وقد أصبحت هناك ثقة في امكانية ادارتنا الحصيفة للمشهد المالي والنقدي وهذه الثقة انعكست في ما رأيناه من نجاحات في الآونة الأخيرة. 

والحكومة بادواتها المختلفة كفريق اقتصادي من نائب الرئيس للشؤون الاقتصادية ووزارة التخطيط والتعاون والدولي وغيرها من الوزارات كالصناعة والعمل والطاقة والسياحة والتنمية الاجتماعية والاقتصاد الرقمي تنفذ اصلاحات هيكلية عميقة لتمكين الاقتصاد من النمو وخلق الوظائف. هذا جهد فريق وزاري يقوده بفعالية دولة الرئيس لتنفيذ التوجيهات الحكيمة لجلالة الملك.

 الاستمرار بهذا الأمر أساسي، بمعنى – ودعني أقول بصراحة شديدة – هناك نظريات كانت تضع مفاضلة ما بين الاستقرار المالي والنقدي، والنمو. هناك تجارب خاضتها بعض الدول، هناك تجارب تحدث البعض بخوضها، ولكن الحكومة أصرت على الرأي الفني السليم 100 % والرأي العلمي السليم، وهو أنه لن يكون هناك مجال للنمو الاقتصادي دون أن تضع أساسات للاستقرار المالي والنقدي.

هذا عبارة عن «أساس» تبني عليه بنيان النمو، لا تستطيع النمو من غير أساس.. حققنا هذه الاساسات، والآن الحكومة تعمل جاهدة بتوجيه جلالة الملك ومتابعة دولة ألرئيس على الاستمرار بتنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي.. وهي قادرة على بناء هذه الاساسات عبر اجراءات هيكلية لتحقيق النمو. لا يوجد مفاضلة. في الاقتصاد لا شيء يأتي من الفراغ، يجب أن تثبت دعائم الاستقرار المالي والنقدي، وتبني اصلاحات هيكلية لتحقيق النمو وهذا ما نعمل عليه. ولم ندخل المواطن الاردني بمراهنات في رزقه واستقراره.

تحدي «النمو»: 

*ماذا عن تحدي النمو في ظل ظروف إقليمية معقدة؟

 – أعتقد أن الاقتصاد الاردني يلمع عندما تكون هناك أزمات تطيح باقتصادات دول أخرى. اقتصادنا خلال العقد الماضي – ولا زال – أثبت أن لديه من العمق والمرونة ما يعطيه أسباب المنعة، فاقتصادنا رغم العواصف الاقليمية التي شهدتها المنطقة في العقد الماضي.. رغم انقطاع الغاز المصري في بدء العقد الماضي، ورغم تحديات استقبال عدد كبير جدا من اللاجئين في الاردن، ورغم اغلاق للحدود مع شركاء اقتصاديين مهمين مثل العراق وسوريا.. رغم كل ذلك اقتصادنا لا زال ينمو واستمر في النمو، وهذا أمر يحسب له، فرغم كل هذه التحديات استمر في النمو. 

في جائحة كورونا ، كان الانكماش الذي شهده اقتصادنا من الاقل على مستوى العالم. 

عندما جاءت تحديات الحرب الروسية الاوكرانية «الركود التضخمي» وارتفاع أسعار الفائدة.. والحرب الغاشمة على غزة.. اقتصادنا ما زال ينمو.. اذا نظرنا الى الفرضيات التي وضعها صندوق النقد الدولي للنمو في 2024 رغم الحرب على غزة، رغم غياب الاستقرار الاقليمي الجيوسياسي، توقعاتنا كانت تشير قبل غزة الى 2.6 % الآن توقعات الصندوق 2.4 %، وهذا يعني أن اقتصادنا نجح بتقليص الأثر السلبي الذي كان ممكن اي يكون اكبر بكثير بسبب عظم التحدي. 

هذه كلها أسباب منعة… لكن هذا لا يعني أن النمو عند مستوى طموح المواطن أو أن الاقتصاد يخلق ما يكفي من الوظائف التي نسعى لخلقها لشبابنا الباحث عن عمل أو أن النمو يرفع من المستوى المعيشي للمواطن بالزخم الذي نطمح له..نحن نسعى لرفع مقدرات المعيشة للطبقة الوسطى..لكن من المهم أيضا المحافظة على منعة الاقتصاد وحمايته من خسارة ما تم تحقيقه عبر عقود وحماية مقدرات ومدخرات الطبقة الوسطى بسبب ظروف إقليمية وعالمية صعبة. 

 رأينا كيف أن غياب المنعة في دول أخرى أطاح باستثمارات ومدخرات الطبقة الوسطى في حين نحن في الأردن والحمد لله حافظنا عليها. هذا لم يأت صدفة او من فراغ. 

 نبني على هذا الاساس.. وكلما رفعنا من مشاركة الشباب في الاقتصاد ترتفع ارقام النمو.. وكلما رفعنا من مشاركة المرأة في سوق العمل نرفع من أرقام النمو. كلما جذبنا استثمارات خارجية بكثافة نرفع من النمو.. كلما عززنا ثقة المستثمر والمستهلك محليا مثلما فعلنا في الايام الماضية من تعزيز الثقة.. هذا كله ينعكس ايجابا على النمو… فلا أحد يستهلك ولا يستثمر في اقتصاد لا ثقة له به.. والاشارات التي وصلتنا من قبل وكالات التصنيف الائتماني وصندوق النقد الدولي كلها تعزز ثقة المستثمرين وتفيدنا بخلق الوظائف وتنشيط الاقتصاد. 

ورفع التصنيف من قبل موديز سيقلل تكلفة فوائد الدين على الاردن في الاسواق العالمية، وهذا سيعزز قدرتنا على الاستمرار في اعطاء الاولوية للنفقات الرأسمالية والمشاريع التنموية في موازناتنا القادمة.

البرنامج الجديد مع «النقد الدولي»: 

* ماذا عن تجديد البرنامج مع صندوق النقد الدولي؟ 

– وضعت الحكومة والبنك المركزي برنامجا أردنيا للإصلاح مع صندوق النقد الدولي حتى عام 2028للاصلاحات المالية والنقدية والاقتصادية.

أصرت الحكومة بأن يكون برنامجنا لتثيت وخفض الدّين عادلا اجتماعيا..بمعنى ألا نخفض الديّن على حساب الطبقة الوسطى (لم نرفع الضريبة على الطبقة الوسطى لرفع الايرادات ). التزمنا بأننا سنخفض الدّين دون الاضرار بمن هو ملتزم ضريبيا، ودون الاضرار بالطبقة الوسطى، ولذلك كان برنامجنا مبنيا على محاربة التهرب الضريبي والجمركي وعلى نمو الاقتصاد.

الآن واجبنا ألاّ نركن لكل ما حققناه من نجاحات.. واجبنا أن نثبت للجميع ليس فقط أننا نستحق رفع التصنيف الائتماني، بل أنهم تأخروا في هذا الرفع.

وأشير هنا الى أننا عندما قمنا بالاصلاحات الهيكلية مع صندوق النقد لم ننه فقط اصلاحات هيكلية متعلقة بالمراجعة الاولى التي استحقت في شهر نيسان، لكننا انهينا أجزاء أساسية من الاصلاحات الهيكلية مستحقة في نهاية العام (قبل وقتها) وأعجب الصندوق بوتيرة الإصلاح، هذا لاننا «مستعجلين».. ليس استعجالا على شهادة الصندوق، بل مستعجلين لتعزيز النمو وحماية الطبقة الوسطى وخلق الوظائف، أكثر من أي طرف خارجي. هذا وطننا وهؤلاء ابناؤنا الذين يسعون للبحث عن عمل ولا يوجد من هو حريص عليهم أكثر من جلالة الملك الذي يحثنا دائما لتسريع وتيرة الاصلاح.

كيف نقطف الثمار؟

* كيف نقطف ثمار هذه الانجازات.. وما دور المالية العامة بتحقيق احد اهم انجازات الاقتصاد الاردني؟ 

– رفع التصنيف الائتماني للأردن من قبل «موديز» وتثبيت التصنيف من قبل «فيتش» وتحقيق المراجعة الاولى «وهي الاهم» في اي برنامج جديد بعد أن انهينا برنامجا كاملا مع صندوق النقد الدولي بنجاح وفي وقته، ماذا يعني ذلك؟.. يعني أن هناك ثقة دولية بركائن الاستقرار المالي والنقدي الاردني هذه الثقة لم تأت من فراغ ولا مجاملة ولا هي وليدة اللحظة ولا نتيجة جهد فردي بل أتت باستحقاق اردني تراكم في مؤسساته عبر سنوات.

القاعدة الاساسية في كلفة خدمة الدين انه كلما زادت المخاطرة زادت كلفة خدمة الدين، ونحن الآن خفضنا مخاطرتنا الائتمانية وبالتالي سنستطيع ان شاء الله من تخفيض خدمة الدّين في السنوات القادمة. 

ستكون هناك ثقة اكبر في الاستثمار ليس فقط بالسندات الاردنية، ولكن بالاستثمار المباشر وهو الاهم بالنسبة لنا في الاردن. لان ذلك ما يخلق الوظائف ويرفع النمو. كل هذا في النهاية سيؤدي ان شاء الله الى وضع الدّين العام على مستوى استقرار ثم انخفاض مستقر وبعدالة. والى جذب استثمارات مباشرة. وبالتالي خلق الوظائف وتحقيق النمو في الاقتصاد الاردني. هذا ما يجب علينا جميعا العمل على استثماره. 

وهذا إنجاز اردني قاده جلالة الملك ونفذته الحكومة والبنك المركزي وليس أفرادا.

ماذا عن السندات؟ 

** أخيرا : هل سيتم طرح سندات هذا العام؟ 

– قبل الاجابة اسمح لي التأكيد على نقطة : لا يوجد أي دين اضافي نتوقعه خارج ما تم اقراره في قانون الموازنة، فالأردن دولة مؤسسات وقانون، لا نستطيع أن نستدين فلسا فوق الموجود في موازنة التمويل التي تم اقرارها في قانون الموازنة. بمعني أن الدّين الذي حصلنا عليه من صندوق النقد الدولي باتمام المراجعة والديون الاخرى المبرمجة حتى نهاية هذا العام هي مبرمجة تماما في خطة الموازنة ونسير وفقها، ولا نستطيع تجاوزها بفلس. وكل ما سيؤدي اليه هذا الامر الذي حققناه هو اننا سنستطيع ان شاء الله ان نموّل الحاجة التمويلية بكلفة اقل.

مركز الدستور للدراسات الاقتصادية – عوني الداوود

About The Author

شارك الخبر