سبق الاخباري – التحركات الأخيرة لجيش الاحتلال الإسرائيلي في الجبهتين.. غزة وجنوب لبنان.. تكشف عن اختلاف جوهري في الاستراتيجيات المتبعة.. وهو ما يعكس طبيعة كل جبهة والقدرات العسكرية والتهديدات التي تمثلها.. وفي ضوء مقتل حسن نصرالله.. قائد حزب الله.. وعدد من قيادات الصف الأول في الحزب.. يمكن أن نعيد النظر في فهم سرعة التصعيد في جنوب لبنان.. والاعتبارات العسكرية والسياسية التي تحرك هذه التحركات الإسرائيلية.
في غزة.. لطالما اعتمد جيش الاحتلال الإسرائيلي على سياسة الاستنزاف الطويل.. القصف الجوي العنيف والمتواصل على مدار أسابيع قبل الشروع في أي عملية برية.. يعكس حرصاً إسرائيلياً على تجنب الخسائر.. فرغم أن المقاومة الفلسطينية لا تمتلك الترسانة العسكرية المتطورة.. إلا أن حروب المدن والأنفاق والمقاومة الشعبية تشكل تحدياً كبيراً للجيش الإسرائيلي.. لهذا السبب.. نجد أن الكيان الإسرائيلي يلجأ إلى القصف الجوي كوسيلة لتحييد القدرات الميدانية للمقاومة.. لكنه أيضاً يعتمد على هذه الاستراتيجية للضغط على المدنيين.. فالقصف المكثف يهدف إلى تدمير البنية التحتية وجعل الحياة اليومية غير محتملة.. مما يؤدي إلى خلق ضغط داخلي على المقاومة.. فالاحتلال لا يريد فقط القضاء على المقاومة عسكرياً.. بل يسعى إلى كسر الروح المعنوية للشعب الفلسطيني في غزة.. وتحقيق تهدئة بشروط إسرائيلية قاسية.. دون الحاجة إلى تقديم تنازلات كبيرة..
أما في جنوب لبنان.. فالمشهد مختلف تماماً.. حزب الله يمتلك قدرات عسكرية متطورة.. بما في ذلك ترسانة صاروخية ضخمة.. وقوة برية مدربة ومنظمة.. هنا.. الحديث عن مقتل حسن نصرالله وعدد من قيادات الصف الأول قد يكون نقطة تحول في الحسابات الإسرائيلية.. حزب الله يعتمد على قيادة مركزية صارمة.. وغياب قائد بحجم نصرالله.. يمكن أن يؤدي إلى حالة من الاضطراب داخل الحزب.. في هذا السياق.. يمكن تفسير سرعة إعلان الكيان الإسرائيلي عن شن هجوم بري في جنوب لبنان.. فالاحتلال يرى في هذا الفراغ القيادي فرصة لتحقيق مكاسب ميدانية قبل أن يستعيد حزب الله توازنه.. وسرعة التحرك تهدف إلى استغلال هذا الضعف القيادي.. ومنع الحزب من تنظيم صفوفه.. أو إطلاق قدراته الصاروخية بشكل فعال..
إن ما يسعى إليه الكيان الإسرائيلي في كلتا الجبهتين هو أكثر من مجرد مكاسب عسكرية.. ففي غزة.. تستهدف الاحتلال خلق حالة من الاستنزاف المتواصل.. الذي لا يهدف فقط إلى تدمير المقاومة.. بل إلى إضعاف الدعم الشعبي لها.. من خلال تكثيف الضغط على المدنيين.. إنها حرب نفسية بقدر ما هي حرب عسكرية.. في المقابل.. في جنوب لبنان.. يبدو أن الكيان الإسرائيلي يتبع استراتيجية مختلفة.. فهو يدرك أن حزب الله قوة عسكرية نظامية تتطلب تكتيكات أكثر جرأة وسرعة.. خاصة في ظل الاضطراب المحتمل الذي قد ينشأ عن مقتل قادته.. هنا يصبح الهجوم البري جزءاً من معركة سريعة تستهدف توجيه ضربة استباقية.. ومحاولة تحقيق مكاسب سريعة.. قبل أن يستعيد حزب الله قدرته على الرد بفعالية.. والهدف من ذلك ليس فقط ضرب الحزب عسكرياً.. بل أيضاً إحراجه وإجباره على مواجهة غير متوقعة وهو في حالة من عدم الاستقرار القيادي..
هنا.. يظهر بوضوح أن الجيش الإسرائيلي يراهن في كلا الجبهتين على التوقيت.. ففي غزة.. يستنزف المقاومة ببطء.. بينما في جنوب لبنان.. يحاول استغلال اللحظة لضرب حزب الله.. في وقت قد يفتقد فيه إلى قيادة حاسمة.. والتحرك السريع هناك لا يعكس ضعفاً من الحزب.. بقدر ما يعكس محاولة إسرائيلية لاستغلال الفراغ القيادي بعد مقتل نصرالله وقيادات الصف الأول..
محمود الدباس – ابو الليث..