ديسمبر 3, 2024
C4D22C42-F5DE-4499-94CC-01FE397802A3

سبق الإخباري – في بلادنا.. نجد الحكومات ومجالس التشريع تأخذ موقعها كأنها حصن منيع ضد أي نقد أو ملاحظة.. على الرغم من أن هذه المؤسسات تتألف من بشر.. لهم ما لهم وعليهم ما عليهم.. إلا أنها تتصرف في كثير من الأحيان كأنها كيانات لا يمكن أن تخطئ.. وكأنها معصومة عن الزلل والخطأ..

في الحقيقة.. الحكومات ومجالس التشريع.. هي مجموعة من الأفراد الذين يجتهدون في اتخاذ القرارات التي يرونها صحيحة.. ولكن هذا الاجتهاد لا يعفيهم من الوقوع في الخطأ.. ويبدو أن هذا الواقع يتم التغافل عنه في كثير من الأحيان.. مما يؤدي إلى بيئة تشريعية وحكومية غير متقبلة للنقد ولا تتحمل الملاحظات..

الأمثلة على هذا الوضع كثيرة ومتعددة.. فعندما تتخذ الحكومات قرارات قد تكون غير مدروسة بشكل كاف.. ولم تقم باستشارة المختصين من خارج اسوارها.. أو عندما تشرع مجالس النواب قوانين لا تخدم المصلحة العامة.. بقدر ما تخدم مصالح ضيقة.. نجد أن الانتقادات تُقابل بردود فعل حادة.. وكأن النقد ذاته جريمة لا تُغتفر..

وفي هذا السياق.. تلعب المعارضة دوراً محورياً.. فالمعارضة الصحيحة والمنتمية.. ليست مجرد خصم للحكومة.. بل هي شريك في عملية البناء والتصحيح.. وواجب المعارضة هو التصويب والتحسين.. لأنها ترى من منظور مختلف.. وغير محكوم بمصالح السلطة التنفيذية.. فعندما تقوم المعارضة بدورها بشكل صحيح.. فإنها تساعد في تسليط الضوء على الأخطاء والنواقص.. وفي ذات الوقت تقدم بدائل وحلول يمكن أن تكون أكثر فعالية..

لكن في بلادنا.. للأسف الفجوة بين الحكومة والمعارضة.. وكذلك بين الحكومة والشعب.. تتسع يوماً بعد يوم.. وعدم قبول النقد من قبل الحكومة.. يخلق شعوراً لدى الشعب بأن الحكومة لا تعمل لمصلحته.. وأن القوانين والسياسات التي تُسن.. ليست إلا لخدمة مصالح ضيقة.. هذا الشعور يعمق من حالة عدم الثقة بين المواطنين والحكومة.. ويزيد من حالة الاحتقان والتوتر..

وهذا السلوك يعكس مشكلة أعمق في الثقافة السياسية في بلادنا.. حيث يُنظر إلى النقد كتهديد للسلطة.. وليس كأداة لتحسين الأداء.. وتصحيح المسار…
فالسلطة.. سواء كانت تنفيذية أو تشريعية.. تنزعج من النقد.. لأنها تراه انتقاصاً من هيبتها ومكانتها.. بدلاً من أن تراه فرصة للتطور والتقدم والتصويب..

ولكن.. لماذا يحدث هذا؟!.. ولماذا لا تتقبل هذه المؤسسات النقد بصدر رحب؟!..
الجواب يكمن في طبيعة النظام السياسي والاجتماعي في بلادنا.. حيث تسيطر ثقافة الخوف من فقدان السلطة.. وحيث يُنظر إلى الاعتراف بالخطأ كضعفٍ بدلاً من أن يُنظر إليه كقوةٍ وشجاعة..

إن الحكومات ومجالس التشريع في بلادنا.. بحاجة إلى إعادة النظر في مواقفها تجاه النقد.. وعليها أن تدرك أن النقد البناء ليس هجوماً.. بل هو دعوة إلى التحسين والتطوير.. ولا أحد يطالب بالكمال.. فالجميع يعلم أن البشر يخطئون.. لكن المهم هو كيف نتعامل مع هذا الخطأ؟!..

عندما يصبح النقد مقبولاً ومحتفى به.. سنرى تغييرات إيجابية في الأداء الحكومي والتشريعي.. وستصبح القرارات أكثر حكمة وموضوعية.. وسيتحول الفضاء السياسي إلى ساحة حوار بناء.. بدلاً من أن يكون ساحة صراع وتوتر..

في الختام اقول.. إن الحكومات ومجالس التشريع ليست ملائكة لا تخطئ.. وإنما هي بشر يخطئون ويصيبون.. والاعتراف بهذا الواقع.. هو الخطوة الأولى نحو بناء نظام سياسي أكثر نضجاً ومرونة.. وقادر على التكيف مع التحديات.. واستيعاب النقد بصدر رحب..
والمعارضة السليمة البناءة بدورها.. من خلال تقديم النقد البناء والحلول البديلة والقابلة للتطبيق والأخذ.. يمكن أن تكون قوة دافعة نحو التغيير الإيجابي.. وتعزيز الثقة بين الحكومة والشعب..

محمود الدباس – ابو الليث..

About The Author

شارك الخبر