سبق الإخباري – كعادتي المسائية.. وانا “اسحب نفس ارجيلتي اليومي”.. والذي زاد من صداعي المزمن.. والذي يرافقني منذ عشرات السنين.. خطر ببالي تساؤلات..
لماذا لا نكون؟!.. وماذا ينقصنا؟!.. وهل نحن اقل فهما ودراية من غيرنا؟!.. ولماذا لا نلحق بركب من سبقنا؟!..
وجدت نفسي اقفز في مركب.. ليس بمركبي.. اسبر غور ذلك البحر..
ففي عالم تُقاس قوة الدول ليس فقط بمدى امتلاكها للثروات.. بل بمدى قدرتها على تحويل تلك الثروات إلى قوة اقتصادية مستدامة.. يتضح أن هناك فرقاً جوهرياً بين القوة المالية.. والقوة الاقتصادية..
فالثروة وحدها.. مهما كانت عظيمة.. لا تضمن لدولةٍ ما.. مكانة اقتصادية راسخة.. إن لم تتمكن من إدارتها بحكمةٍ.. وتحويلها إلى أدوات فعّالةٍ لبناء اقتصاد متين.. فالدول التي تعتمد فقط على مواردها الطبيعية.. قد تجد نفسها.. في لحظات غير متوقعة.. عرضة للتقلبات الاقتصادية العالمية.. التي قد تؤدي بها إلى الهشاشة..
وفي المقابل.. نجد دولاً لم تُمنح هبة الثروات الطبيعية.. ومع ذلك استطاعت أن تحقق إنجازات اقتصادية هائلة.. بفضل استثمارها في الإنسان.. والتعليم.. والتكنولوجيا..
فاليابان.. على سبيل المثال.. دولة فقيرة في الموارد الطبيعية.. لكنها بفضل رؤيتها واستراتيجياتها.. أصبحت واحدة من أقوى اقتصادات العالم..
أما الأردن.. فإن الحديث عن مستقبله الاقتصادي.. لا يمكن أن يغفل عن دوره الجيوسياسي الفريد.. واتفاقياته التجارية مع كبرى التكتلات الاقتصادية..
فالأردن يرتبط باتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي.. والتي تتيح له دخول أسواق أوروبا الضخمة.. دون عوائق جمركية تذكر.. مما يمنح منتجاته فرصة الانتشار في سوق يتجاوز عدد سكانه 500 مليون نسمة.. هذه الاتفاقية لا تقتصر على التجارة فقط.. بل تمتد لتشمل التعاون في مجالات التكنولوجيا والتنمية المستدامة.. مما يعزز من قدرات الأردن التنافسية على المستوى الدولي..
إلى جانب ذلك.. تُعد اتفاقية أغادير.. والتي تربط الأردن بمصر وتونس والمغرب.. من الأدوات الفعّالة لتعزيز التكامل الصناعي الإقليمي.. فمن خلال هذه الاتفاقية.. يمكن للأردن المشاركة في سلاسل إنتاج إقليمية تكاملية.. تتيح له تصنيع وتصدير منتجات ذات قيمة مضافة عالية.. إلى أسواق الاتحاد الأوروبي برسوم مخفضة.. مستفيداً من قواعد المنشأ التفضيلية التي توفرها هذه الاتفاقية..
ولا يمكن إغفال اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة.. والتي تفتح أمام الأردن بوابة ضخمة إلى السوق الأمريكي..
أما الاتفاقيات التجارية مع بعض الدول الإفريقية.. فهي تُمثل فرصة فريدة للأردن.. لتوسيع نطاق صادراته.. والوصول إلى أسواق جديدة.. فمن خلال هذه الاتفاقيات.. يمكن للأردن تعزيز تعاونه الزراعي مع دول إفريقية.. مما يدعم تطور القطاع الزراعي.. ويزيد من قدرة الأردن على تصدير المنتجات الزراعية ذات الجودة العالية..
هذه الميزات تضع الأردن في موقع.. يمكنه من بناء قوة اقتصادية متينة.. بشرط أن تُدار هذه الاتفاقيات بفعالية.. هذه الاتفاقية تُعزز جاذبية الأردن كوجهة استثمارية.. ليس فقط للشركات المحلية.. بل أيضاً للشركات العالمية التي تبحث عن فرص للتوسع في الاسواق التي تربطنا بها اتفاقيات..
فيجب أن تُستثمر بشكل استراتيجي.. في قطاعات واعدة.. مثل التكنولوجيا.. والصناعات الدوائية.. والزراعة المتقدمة..
إن التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص.. وأصحاب رؤوس الأموال.. الذين يكدسون ثرواتهم في البنوك.. يجب أن يكون مدعوماً برؤية واضحة لتحفيز الاستثمار.. وتحسين بيئة الأعمال.. وتطوير البنية التحتية اللازمة لجذب الاستثمارات.. والتقليل من البيروقراطية القاتلة..
وعلينا ان ندرك تمام الادراك.. بان القوة الاقتصادية.. لا تُبنى على الثروات فقط.. بل على الاستراتيجيات التي تحول هذه الثروات إلى قوة مستدامة.. وإذا تمكّن الأردن من استغلال اتفاقياته الدولية بشكل فعّال.. فإنه يمكن أن يسير على الطريق الصحيح.. نحو تحقيق تنمية اقتصادية شاملة.. ومستدامة.. تجعل منه نموذجاً يحتذى به في المنطقة..
خلاصة القول.. اذا كانت لدينا الارادة الصادقة.. متلازمة مع الادارة المهنية الصائبة الكفؤة.. سنحقق ما نريد.. وما شبابنا الذين وضعوا بصمتهم في امبراطوريات الاقتصاد خارج الوطن.. الا دليل قاطع على اننا نستطيع..
محمود الدباس – ابو الليث..